مراكز "بناء الانسان"
- 2018-10-30 12:15:20
- اشرف مفيد
منذ حوالى ١٨ عاماً كنت فى زيارة الى بلغاريا استمرت ١٠ أيام تجولت خلالها فى عدة مدن بلغارية بعضها زرته عن طريق الطيران الداخلى والبعض الآخر باستخدام مواصلات عامة جعلتنى استمتع بسحر الطبيعة على جانبى الطريق.
كانت بلغاريا فى ذلك الوقت قد بدأت تدخل عصر الانفتاح على الحياة الغربية بعد أن عاشت سنوات طويلة أسيرة حياة الشقاء والتقشف والظروف المعيشية الصعبة التى علمت أنها كانت انعكاساً طبيعياً لسيطرة الحياة الروسية على الشعب البلغارى الذى بلغ تعايشه مع تلك الحياة الحد الذى جعل لغته الأم كانت هى اللغة الروسية .. ولفت نظرى أنذاك انتشار صور "كنتاكى " فى كل الشوارع لدرجة انها كانت أكثر من صور رئيس الدولة فقد كانت كنتاكى وبيبسى تمثل بالنسبة لهم قمة الانفتاح على حياة الرفاهية.
المهم اننى حينما وصلت إلى مدينة "فارنا" التى يوجد بها أجمل شاطئ وهو "جولدن بيتش" المعروف بشاطئ الاثرياء فى أوروبا ، وبينما كنت أتجول فى المدينة وجدت نفسى أقف أمام مبنى كنت على ثقة تامة بأننى رأيته من قبل بل وأعرفه عز المعرفة وفى لحظات تذكرته فالمكان كان نسخة طبق الأصل من "الوحدة المجمعة" التى كانت موجودة فى مدخل قريتى "إدفا" التى تبعد عن مدينة سوهاج حوالى ٧ كيلو متر .. سبحان الله المبنى كان هو نفس المبنى الكبير المترامى الأطراف الذى كنت أمر أمامه يومياً حينما كنت ما أزال أعيش فى القرية قبل أن تخطفنى القاهرة تلك المدينة التى يطلقون عليها "مدينة بلا قلب" على الرغم من أننى أراها غير ذلك حيث بها "شمس قلبى وضله"..
وفى تلك الأثناء تملكني الفضول الصحفى فدخلت من البوابة الرئيسية وكأننى واحد من أبناء المدينة فالحق يقال اننى لم أشعر بغربة عن المكان وكأننى اعرف تفاصيله بالكامل فها هى الوحدة الصحية وتلك هى حضانة الأطفال وهذه المدرسة وهناك برج الحمام وبالفعل لم أشعر بأننى فى حاجه إلى من يدلنى إلى أين أذهب أو كيف اتجول داخل هذا المكان الذى يضم الكثير من المبانى التى تم تخصيصها لممارسة كافة أشكال الحياه.. فالرسم الهندسى للوحدات المجمعة مأخوذ من المجتمع الروسى وتم نقله إلى العديد من بلدان العالم التى كانت تمارس الحياة الاشتراكية خاصة فى فترة الستينيات .
وبحكم المهنة والرغبة الجامحة فى استكشاف المكان وجدتنى اتوجه نحو الركن الذى كنا نطلق عليه ونحن صغار اسم "صالة الارشاد" وهى صالة كبيرة الحجم يوجد بها شاشة لعرض الأفلام وممارسة الأنشطة الفنية فى الوقت الذى لم يكن فى قريتنا بالكامل سوى ٣ تليفزيونات احدهم لدينا فى بيت العائلة .. والتفت إلى جوار صالة الارشاد وتوجهت نحو المكان المعروف باسم"مركز الشباب" الذى كنا لا نمارس فيه سوى لعب كرة القدم المعروفة بالكرة "الشراب" فكانت المفاجأة انه لم يكن مكاناً للعب الكرة كما كنت اتصور وكما كنت أعرفه فقد شاهدت فى مركز الشباب البلغارى ، شباباً وأطفال يرسمون ويغنون ويرقصون ويمارسون الرياضة وكأننى دخلت أكاديمية للتدريب على ممارسة فنون الحياة بتفاصيلها المختلفة والمتنوعة ، وهكذا كانوا يتعاملون مع قضية بناء الانسان منذ أكثر من ١٨ عاماً ، والحق يقال فإننى حينما عدت إلى الفندق سألت "جوليا" تلك الفتاة التى كانت مسئولة عن مرافقة الوفد الصحفى المصرى ، عن هذا النشاط الذى رأيته فى مركز الشباب الموجود داخل الوحدة المجمعة فأجابتنى بأن مركز الشباب ليس مخصصاً لممارسة الرياضة وحسب بل هم يعتبرونه بمثابة "الحاضنة" التى يتم من خلالها تنمية وتفريخ المواهب فى مختلف مجالات الإبداع وذلك لأن القيادة السياسية ايقنت تماماً أن بناء الانسان يجب أن يبدأ من تلك الأماكن وان مراكز الشباب من الخطأ ان يتم اختزالها فى انها مجرد قطعة أرض لممارسة لعب كرة القدم .
تذكرت تلك الرحلة التى اعتبرها من أمتع الرحلات التى قمت بها فى حياتى وأنا اتابع عن قرب تلك النقلة النوعية التى أراها تتشكل الآن من خلال توجهات الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب الرياضة خاصة وهو يقوم بترجمة أفكار ورؤى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى المتعلقة بقضية بناء الانسان ، وإن كنت أرى أن ما يقوم به وزير الشباب والرياضة من حركة دؤوبة فى هذا الشأن ينبغى أن يتزامن معها نقلة نوعية فى توعية شباب المحافظات والمناطق البعيدة عن العاصمة بأن تلك المراكز ليست مكاناً لممارسة الرياضة فقط بل هى وعاء كبير يستوعب كافة الأنشطة وهذا الأمر فى تقديرى يتطلب التحرك وبشكل فورى لإنتشال تلك المواقع المهمة من وحل البيروقراطية والتخلص من جهل الإدارة العقيمة التى عششت فى تلك الأماكن لسنوات طويلة مما جعل مهمة التحديث والتطوير فى أشد الحاجة إلى المزيد من الصبر وقوة التحمل وإلى إرادة وأيضاً إلى إدارة قادرة على تصويب الأوضاع المغلوطة وأنا على يقين تام من أن الوزير النشط الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة قادر على تلك المهمة التى أراها مهمة صعبة بالفعل ولكنها وبكل صدق ليست "مستحيلة".
تعليقات القراء
تقع المسؤولية الأدبية والقانونية للتعليقات والمساهمات المنشورة على الموقع، على صاحبها، ولا تعبر بأى شكل من الأشكال عن رأى إدارة الموقع